الإرادة والحرية وآليات السرد في قصة (ليلة هلع عند ناهد)
د. حمدي النورج
مصر
اطلعت على أكثر من قصة قصيرة للأستاذ عبد القهار الحجاري، فوجدت عنصر الخوف حاضرا في نصوصه وفعل الخوف فعل نسقي خفي ومتغلغل في كتاباتنا القصصية العربية، منذ ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والشطار والملاحم الشعبية ك (سيف بن ذي يزن)، ويسيطر نسق الخوف على جل الحكايات والملاحم، وهذا يبين دور البنية العقلية في صياغة مثل هذه الأنساق.
ونؤكد تغلغل هذا النسق في قصص الأستاذ عبد القهار، حيث نجد قصة "برج الحمار" في تناص مع النصوص الحكائية التراثية مثل كليلة ودمنة، خاصة حكاية الحمار والثور، وهناك كثير من الكتاب الذين أفادوا منها، أذكر على سبيل المثال القاص السوري زكرياء تامر، وهذا يؤكد تغلغل نسق الخوف في كتاباتنا في حالة رغبة أو نشدان الحرية...
هناك فعلان مسيطران على القصدية داخل قصة (ليلة هلع عند ناهد)، فعل نشدان الحرية المفقودة، وفعل التنوير الذي يقصده الأستاذ عبد القهار، هنا نحن بين رأيين مهمين: رأي سارتر في فعل التنوير الذي يهدف إلى الحرية وهو مسؤولية المثقف الذي يجب أن يضطلع به مهما كانت الظروف، والثاني هو رأي ستيوارت ميل في البحث عن الحرية الفردية لأنها شرط أساسي للإبداع والتنوع، ولكن السارد هنا لا يصل إلى شيء أمام القط الأبيض ذي العينين الحمراوين الذي يقف له مترصدا، فيمنعه من السعي وراء الحرية.
امتلك القاص القدرة على اقتناص حالة، وتقديم حالات وصفية مقنعة لجوهرها زمانيا ومكانيا، فالمدى الزمني في القصة لم يمل إلى الاستطالة، ومع ذلك جاء مستوعبا تماما لكل الأحداث والتفاصيل في القصة، كما تناسبت البنية المكانية التي سيقت فيها عوالم القصة، حيث لم ينزع إلى رصد عوالم خارجية عن المكان الذي هو فيه، أضف إلى ذلك أنه تمكن من الإنصات لحركة فعل الذات وفعل المشاعر ببلاغة وفي ظرف اشتثنائي، فهو في حالة خوف وهلع وترقب في حالة رغبة، في حالة جوع كونه دخل المكان ليأكل، بحيث تمكن من رصد رغباته وحركة ذاته الداخلية وحركة مشاعره، واستطاع أن يلفت الانتباه بحركة ذاته ويرصد بقدرة حركة مشاعره، وهذا يحسب للكاتب.
تعتمد القصة رؤية العالم بفعل الإسقاط تحت مسمى مجاوزة المجهول وما الذي يحمله الآخر عندما يقرأ سياق الآخر. أسجل أيضا جودة اللغة القصصية وخصوصيتها في بعض النقاط لدى عبد القهار الحجاري والتي ترجع إلى تكوينه الخاص والتربية الدراسية التي تلقاها وساهمت في تشكيل الخطاب لديه.
تبدأ القصة من حيث تنتهي، ويبدأ الحكي على آلية التذكر المشوه، أو كما ذكر مدحت صفوت في تطبيقه مفهوم الشبحية على هذه القصة، السرد ليس حالة بل هو بالأحرى نتاج حالة، نلجأ إليه لتحقيق فعل التطهير، كما أن البدء به ينفي تماما آلية التذكر التي لجأ إليها الكاتب، بفعل الاضطراب والهلع والخوف، ما يجعله ينسى ما حدث، فالسارد مأخوذ بالفعل ولا يملك آلية الاختيار، وجمال الحالة ينتفي عنها سلوك المقاومة الخارجية.
وسيطرت المرواحة بين الإرادة واللاإرادة على السارد، فهو يريد ولا يريد، يريد الحرية ولا يستطيع تحقيقها وأعتقد أن هذا حالنا جميعا، كما يشوب مفهوم الحرية لديه التباس، لو كان توضح لكان أفضل، وتحدث د. مدحت عن مجاوزة الواقع نحو الفنتازيا في (ليلة هلع عند ناهد)، وفانتازيا الواقع هي إعادة بناء الواقع برؤية جديدة، وبلغة متحركة متغيرة تطور ذاتها باستمرار.
لقد استطاع الكاتب أن يقدم مفهوم الحرية وأن يرسم لها إطارا، وأن يعبر عن ذاته ووجدانه من خلال هذه القصة. ويؤكد تنوع الاهتمام وتعدده لدى عبد القهار نشدانه الحرية عبر أكثر من قناة.
#ليلة_هلع_عند_ناهد
#قصة_أونلاين
#ظلال_وقطوق