-1-
اللحية والغليون والمخبر
في المقهى أحتسي قهوتي السوداء في فنجان صغير أبيض فاجر، كنت منهمكا في قراءة كتاب عن الحب ذات صباح بارد، مخبر قبالتي ينظر إلي شزرا لا يستطيع إخفاء علامات الحيرة والاستنكار، كنت أسحب نفسا تلو آخر من غليوني، كي لا يخسأ تبغ الشعرة الرفيع، وكانت سطور الكتاب تأخذني لحظات قبل أن أنتبه إلى انقطاع الدخان من الفوهة، التقطت أذني ما قال لجليسه هامسا من أن الأجدر بي حمل السبحة بدل هذا الغليون مع اللحية، عندما أثارني هذا المشغول بي تحسست جيبي، أخرجت ولاعتي العتيقة، قدحت منها قبسا جديدا ونفثت سحابة في اتجاه المخبر، قام من مكانه وهو لا يزال يثني قسمات وجهه محملقا في حنق...
-2-
بما أنني بلحية....
أوقفني شخص أمس بشارع مراكش.. صافحني بحرارة خلت أنه أحد أصدقائي القدامى.... مال نحو أذني كأنما ليسر لي بأمر خطير وهام ... قال والابتسامة لا تفارق وجهه إنه يختارني دونا عن المارة ليقدم لي هذا ... وأخرج من محفظته كتابا أصفر مجلدا لا أذكر عنوانه بالضبط، ربما "مفاتيح الجنة" أو "كنوز الشهادة" أو " كنز القناعة"... أو شيئا من هذا القبيل، نظرت إلى عينيه القلقتين وإلى الكتاب ... أردف إنه بثمن مناسب ... قلت بأنني لست الشخص المستهدف وانصرفت... مسحت على لحيتي وخطوت خطوتين ... تلفت نحوه، كان لا يزال واقفا ينظر إلي مشدوها ....
-3-
الرجل الذي سلخ جلده كحنش
في مقصورة القطار البئيس، تطلع إلي مليا رجل ملتح عندما كنت أهم برفع حقيبتي على المرفع فوق الأريكة، لم أحفل به، جلست قبالته، كانت امرأة ثخينة تجلس إلى جانبه ولا يبدو أنها معه، كان مستمراً في النظر إلي، سحبت هاتفي من جيبي وبدأت عبثا أبحث عن الربط، الشبكة بعيدة المنال والمسافة طويلة والليل مرهق وكالح، فاجأني عندما قام من مكانه مبتسما وقد انبرت من شفته عبارة "رفيقي العزيز عبده!!" قلت من ؟ قال إني من الصعب تذكره لأنه ترك طريق الأشواك وحلق مع طيور أخرى، قلت في نفسي ربما يقصد أنه حلق مع الإوز في بحيرة البجع وعانق الفالز والوتر والقرطاس والنبيذ الأحمر... أفقت من شرودي وهو يوضح لي كيف ترك التنظيم عندما التحقت أنا به ليعانق طريق الترقي من الكوخ إلى القصر، قلت أسأله إن كان سلخ جلده، ضحك وأردف أنني ما برحت مغفلا إن كنت لا أزال أردد عن مثله أنه سلخ جلده كحنش وأن اللحية كانت هي المنطلق...
لم أنبس ببنت شفة، اكتفيت بحمل حقيبتي الثقيلة ونزلت، قررت الذهاب في قطار الفجر.