قصة
تسافر عبر السكة التي لا آخر لها. ليس بين عينيها شيء الآن، وهي تنظر خلف زجاج المقصورة إلى الخراب في كل ناحية، سوى أبيها الذي يشدها إلى هذه الأرض التي لا تريد أن تشبع من الدماء. أبوها اغتاله المرتزقة.. تحس بغصة.. دمع حارق في مقلتيها.. تشعر بغربة قاتلة في وطنها..إنها تحترق..لكنها فكرت أنها لا بد أن تبعث كالعنقاء من رماد أمها الغبراء، وفي بيت أبيها ستبني قلعة. تصمم في دخيلتها أنها لن تعود إلا حين تعد العدة لاسترجاع الدار التي استولت عليها العصابات والميلشيات.. تبنيها هي من جديد، بأساس عميق ومتين. أليست دار أبيها الذي تضرج في دمائه، فأسلم روحه وهو يغرز أصابعه في عمق تربتها.
استفاقت "عربية" على طرق الجابي في باب المقصورة.
- التذكرة .. سيدتي!
تعثر تفكيرها قليلا.. ذهنها مشوش.. ارتبكت وهي تفتش عن التذكرة التي وضعتها عندما صعدت القطار في حقيبتها الصغيرة. قال الجابي:
- ناوليني التذكرة سيدتي! ربما لن نلحق الوصول. القصف استأنف من جديد..
ثم أردف:
- .. والقطار يا سيدتي خال من الرجال.. أين ذهب الرجال؟