عويشة في مراكش
قصة
منذ أن جلست في هذا المقهى الأنيق المتربع بزهو في الشارع الرئيسي، حيث يحلو لي ارتشاف قهوتي كل مساء، بعد أن يهمد الحر، وأنا متملَّك بإحساس غريب.. إن الشخص الذي يجلس بجانبي وحيدا مثلي، أعرفه عز المعرفة، غير أنني لا أستطيع الآن أن أحدد من هو بالضبط، قد يكون لكل شخص أربعين شبيها، ولكن شيئا ما في داخلي يؤكد لي أن صاحبي ليس شبيها. وضعه الآن لا يسمح لي بالتفرس خلسة في ملامحه، والتفحص في هيئته دون أن يشعر بي، لأنه بجانبي، فعليَّ أن أبتعد قليلا وأجلس قبالته تقريبا، حتى أتمكن من النظر إليه خلسة دون أن أحرك رأسي، أخذت فنجان قهوتي وانتقلت إلى طاولة أخرى، جلست وبدأت أقرأ ملامحه وهيئته.
هذا الرجل بسحنته السمراء، ووجهه المستدير وعينيه الغائرتين وقامته القصيرة، بنحافته وشعر كثير البياض في رأسه.. هو نفسه "عويشة"، فهل يعقل أن يكون هو ؟ ما الذي حوله بهذا الشكل الغريب من أحمق شريد رث الثياب، متسخ يتسول في المقاهي.. تجده في كل مكان بأكبر مدينة في الشرق، يأكل سندويتشا، وأحيانا خبزا حافيا، ويدخن أعقاب السجائر، يسير سير المخبول، ويتصرف مثله تماما، ما الذي حوله إلى شخص عاقل؟ تنطق هيئته باتزان واضح، أنيق وحليق الذقن، وما الذي أتى به من شرق البلاد إلى جنوبها ؟ قد يؤكد هذا ما يروج عن "عويشة" في الشرق حول حقيقته البوليسية وعلاقاته المشبوهة، خصوصا بعد اختفائه منذ ثلاث سنوات، وقد يكون الأمر مجرد شبه يصل حد التطابق في الملامح والشعر والقصر...
طلبت منه النار لسيجارتي كي أكتشفه أكثر، من خلال الحركة، فبدا لي بيقين تام أنه "عويشة"، فقلت لأعرف ردة فعله:
ـ شكرا "عويشة" !!
ارتبك الرجل، ورد بما يشبه الإستغراب:
- نعم؟
- ألستَ أنت "عويشة" !؟
- "عويشة" هي خالتك يا ابن آدم !
©عبد القهار الحجاري، خنازير الظلام، قصص، 2006-2011