الواقعية وبنية السرد في قصة (ليلة هلع عند ناهد)

  الواقعية وبنية السرد في قصة (ليلة هلع عند ناهد)

محمد صالح البحر

مصر

 تنتهي القصة بنفس الجملة التي بدأت بها، فنحن أمام بنية دائرية، ويتكون السرد فيها من قصتين: القصة الأولى في البداية هي قصة السارد الذي يقدم الحدث في الزمن الحاضر، ويتلخص في (حالة سرد) التي يعيشها، فيستنتج أنه بخير طالما هو يمارس لعبة السرد، القصة الثانية هي الحدث الماضي الذي انتهى بالغيبوبة، وهذه بنية راسخة في القصة العربية، وفي السرد العربي القديم أيضا ومنه ألف ليلة وليلة مثلا، حيث تحكي شهرزاد كل ليلة قصة حدثت من قبل.

السرد يبدأ برحلة القطار، ولسبب ما كان السارد مسافرا مع مجموعة (لفظني القطار....) هذه الرحلة بكل هذا الوجود والبؤس في الليل، والفردانية المتمثلة في تفرق المسافرين كل في اتجاه عندما لفظهم القطار، والشوارع خالية إلا من القطط والكلاب الضالة وهذه الحالة كانت تلقي بداخله بمشاعر من الهلع، هلع في القطار، وهلع عند الوصول وفي الشوارع الخالية، فكان السارد مهيئا للمزيد من الهلع وهو يبحث عن مكان يتناول فيه طعاما، وبداخل المطعم تفاقمت لديه حالة الهلع خاصة وقد تمكن منه العياء، وهذه الحالة تشبه لحظة الدخول في النوم أو الغيبوبة، فتماهت الأشياء والأجواء داخل المطعم بهذه الحالة النفسية للسارد، ومثلما اختفى المسافرون بسرعة حال وصول القطار إلى محطة المدينة، تخفى رواد المطعم ولم يعد السارد قادرا على رؤيتهم، ولم يقو سوى على تمييز بعض الأشياء كرأس الوعل المعلقة على الجدار، والمرأة النادلة أو صاحبة المطعم، وأصوات وروائح مختلفة، واستطاع أن يذهب إلى الحمام، ولا أرد هذه الحالة إلى رعب أو فانتازيا أو شبحية، بقدر ما هي حالة نفسية للسارد الذي أصيب بالخوف من أشياء داخل المطعم كالقط الأبيض وهيئة طبق السمك ورأس الوعل وقدمي النادلة التي لم يتمكن من رؤيتها، وهناك أمر غامض في النص وهو سبب هذه الرحلة التي قام بها السارد في القطار ليصل إلى هذه المدينة التي عاش فيها لحظات الهلع، قد تكون هذه الرحلة هي نفسها رحلة الحياة التي يركبها الإنسان، رحلة البحث عن الذات، أو رحلة البحث عن الحرية أو عن أية قيمة أخرى، لكنه في نهاية المطاف لا يجد غير الرعب والهلع.

(ليلة هلع عند ناهد) قصة واقعية ولا أرى أنها تدخل في خانة الفانتازيا أو الرعب أو الشبحية، لأنها ترصد حالة إنسانية في واقع صعب ومرير.