صدرت للقاص والفنان المغربي عبد القهار الحجاري, عن مؤسسة التنوخي للطباعة والنشر , مجموعة قصصية بعنوان ( قهوة الروح الجديدة ) . وهي المجموعة الثانية بعد مجموعته الأولى ( خنازير الظلام ). والكاتب لمن لايعرفه من الفنانين المغاربة في الحقل الموسيقي . عازف على العود وباحث في الموسيقى , وله كتابان في هذا المضمار : ( ابحاث في التربية الموسيقية ) و (مدخل الى التربية الموسيقية ) . كما اصدر بمعية بعض الفنانين والكتاب المغاربة ( مجلة نغم ) التي تستعد لأصدار عددها الرابع . مكرسة جهدها عن الموسيقى كتربية وتذوّق وثقافة .
ومجموعته (قهوة الروح الجديدة ) تضم 13 قصة قصيرة . ذات مناخات مختلفة , ولكنها تمثل حزمة من الأفكار طُرحت يشكل قصصي . ولللأقصوصة موقع في الذاكرة الجمعية المغربية . حيث برز الكثير من ادباء الفطرة , واغلبهم اميّون , يتلون القصص في حلقات السوق والساحات العامة . وتستقي هذه القصص منابعها من الملاحم التأريخية , وحكايات السلف والقصص الدينية , كما تستقي ذلك من ابداعات هؤلاء الرواة الذين يستقطبون المستمعين بفيض اخيلتهم الزاخرة با العطاء . وبقدرتهم المسرحية على تجسيد المواقف , باساليب فنية وقابليات لغوية . وقد ألهم هذا القص وطرائقه الفنان الصدّيقي للتألق بما يسمى مسرح الفرجة . ومن كتّاب القصة الذين بلغوا العالمية محمد المرابط وعبد السلام بلعيش , وذلك بفضل الأديب الأمريكي ( بول باولز ) المقيم في طنجة انذاك , والذي ترجم قصصهم وقدمها الى الغرب . ولا ادّعي بأن الأتجاهات الحديثة في القصة المغربية قد خرجت من عباءة القص العامي ولكنها تأثرت به . اضافةالى انها . كانت نتاجا للتلاقح بينها وبين الأدب الفرنسي الثري في عطائه والموغل في أصالته . حيث أن هيمنة الثقافة واللغة الفرنسية في المغرب , جعل المغاربة يستفيدون منها في بناء حركتهم الأدبية , في اطار محليتهم .
وقد تكون القصة القصيرة اكثر التصاقا بالقاريء .لأنها قوية التأثير فيه, وتكمن قوتها في الشحنات التي تكتنزها , حتى كأنها كاميرا تقوم بلقطات لتأطير المشهد , فهي تحرره من حالة الأستلاب والخضوع لما هو محضور من قيوداجتماعية او سياسية , مما يجعل الكاتب منفلتا من ضغط عناصر التحريم والمنع , منقذفا في مرمى الأبداع الذي يشترط المسؤولية والألمام بحرفة الكتابة .
تعكس هذه المجموعة تجربة فنية على صعيد الوعي الفكري لفنان ومثقف يحاول استشعار ما يحيط به من عوالم , بعضها يرتبط بالواقع بشكل وثيق وبعضها مُتخيل ينأى عن الواقع او يطفوا عليه وذلك تبعا للمضامين المختلفة التي ضمتها المجموعة . حيث انها تعتمد على احداث وقعت فعلا او بالأمكان وقوعها . فتتسرب الأحداث بشكل بسيط وسلس , محاولا من خلالها ان يبني جسرا من التفاهم مع المتلقي .
والقصة عند عبد القهار الحجاري مجال واسع للفكرة , دون الأهتمام باللغة . حيث تبرز الفكرة دون ان تتأطر بالزخارف الفنية كالوصف والتشبيه والأستعارة , فقد يعتقد ان ذلك يرهق النص . لذالك فقد حرر نفسه من ترف اللغة . ولم يكترث لوضع خلفية مناسبة لقصصه . فهو يقدم مضامينه بشكل حاد ومباشر دون مساحيق اللغة وجمالياتها , لذالك جاءت اغلب قصصه على هيئة ومضات سريعة ولقطات عابرة تعبّر عن دهشة الكاتب ازاء غرائبية المشهد الذي يحيط به . والذي يستدرجه من خلال هذه النصوص . ورغم انه لم يكترث للفضاء الزمني فجعله سائبا , بينما الأحداث تسبح فيه بشكل يتناقض احيانا مع المكان .
والمكان له ملامحه – القرية او المدينة او الشارع او المقهى – كل هذا المكان جاء حافلا بالحدث محتضنا ابطاله .تنساب قصص المجموعة بتلقائية وتتمخض عن عدة اسئلة , ربما تظهر الأجابة عنها في ثنايا المضمون . وفي احيان اخرى تبقى الأجابة سائبة . وفي اطار جولته هذه يعكس تجربة واعية لشريحة اجتماعية , يسكنها هاجس الأنفلات من المسلمات الكبرى والطابوهات التي يُمنع تداولها او حتى مناقشتها . كاالمعتقدات والأعراف العامة وحقائق الموت والحياة . انها اسئلة متأزمة وخانقة . لاتستطيع المجموعة هذه الأجابة عليها , فليس من مهمة النص ان يكون بهذه الكيفية , ولكنها تحفز الوعي لمناقشتها بمحاولة استفزاز الركود والقناعة . وفي قصة ( جاليلي ) يُطرح سؤال : ( هل الأرض كروية الشكل ؟ وهل تدور حقا ؟ ) وحينما تأتيه الأجابة بنعم , يُعلن معرفته مُسبقا ولكن ( اريد أن أتأكد ) . وفي هذه القصة يحاول الكاتب ان يرمي حجرا في ماء راكد , من اجل تحريكه فقط , تاركا الأجابات مبهمة وسائبة بمواجهة اسئلة شرسة .
وفي قصة اخرى يتناول حادثة خطف من قبل مجهولين , يتخللها استنطاق الضحية بشكل وحشي وتعذيبي ولكن المجهولين يريدون معرفة لون الضحية وعاطفتها . ورغم أن الخطف مُتـخيل ولكنه يشير الى عجز الأنسان ازاء القوة المحيطة به والتي تفرغه من انسانيته , وتريد التحكم في مقاساته , وتحاول ان تفرض عليه ما تشاء , مستغلة عجزه عن مواجهتها . وفي قصة ( افكار ) يطرح مضمونا مفاده أن ثمة برزخا ما بين الفكرة كنتاج انساني راق وبين صاحب الفكرة الذي ينبغي ان يتجرد من انانيته . ورغم ان الصياغة كانت رمزية , ولكنه لم يوفق في طرحها فنيا , فجاء النص هابطا وغير مقنع . على عكس قصته ( حمامة ) والتي تناول فيها معنى الموت والحياة لبشر مختلفين في كل شيء , ولا يجمعهم الاّ الأسم , والذي ينطبق على التأنيث والتذكير . وحينما يُعلن خبر موت حمامة , تسري التكهنات التي تنمّ عن موت كل من يحمل هذا الأسم , وكأن لعنة اصابت الجميع . ولكن اشاعة مضادة تنفي موت الجميع . وكأن الموت وهم , والحياة هي الحقيقة المتجذرة .
وفي قصة ( معتوه ) يدين الكاتب هذا العالم وعوامله المدمرة للفرد . المتجرد من كل قوّة , والأعزل في مواجهة غير متعادلة . حتى أنّ جنونه ماهو الا محاولة لإقتحام مصيره . والأحتجاج على الجنون غير المرئي للعالم (كائن هارب من الأضواء والأنواء واشباح الموت ) . وما هروبه سوى محاولة لحماية الوعي وعدم القدرة على التوازن . وقد استخدم الكاتب ادواته اللغوية من اجل شحن الموقف بدفقات عاطفية تجعل القاريء متعاطفا مع حالة الجنون ومبررا سلوكها غير السوّي .
وقد تناول في ( سيزيف ) معاناة المواطنين وهم يصارعون الفساد في الجهاز الأداري . وبفضح مظاهر الخلل والتحلل الذي ينخر مثل هذا الجهاز ,والذي لايأبه للمشقة التي تُثقل كاهل المواطن . هذا المواطن الذي يرفع صخرة الألم والبؤس والخيبة الى القمة , علّه يصل الى قمة الأمل , ولكن فداحة الألم تتجسد بسقوط الصخرة من جديد , ليستمر المواطن بمواصلة الألم . لقد ادان الكاتب مثل هذا التعسف , بعد أن شخّصه ورفضه . واعتقد انه لم يفتعل الحدث , وانما التقطه من واقع حيّ ومُعاش . وهنا تكمن مهمة الأديب في كونه يصبح عينا على الظواهر الشاذة والناشذة من اجال رفضها وتغييرها .
لقد برهن الكاتب عبد القهار الحجاري على التزامه الأدبي والأخلاقي لهموم الطبقات المعدمة في المجتمع , والتي تعيش حياة مشحونة بالهم اليومي . ينخرها الخوف من المجهول , وتفشي الخرافة . وقد ربط بين هذه الآفات الأجتماعية القائمة وبين اسبابها . وقد التقط ابطاله من القاع الأجتماعي , ومن رحم الحياة اليومية , ليؤسس منهم وبهم بهاء المستقبل القادم , والذي يتأسس على فكرة العدالة والمساوات . وفي غمرة الفكرة التي شغلت الكاتب , فانه لم يتجاوز الأطر الفنية . كما انه استخدم لغة قصصية سلسة وواقعية , ولم يتردد في استخدام اللهجة المحكية في محاولة للوصول الى القاريء بيسر وسهولة .
أوتاوة في 17 /02 /2011
ومجموعته (قهوة الروح الجديدة ) تضم 13 قصة قصيرة . ذات مناخات مختلفة , ولكنها تمثل حزمة من الأفكار طُرحت يشكل قصصي . ولللأقصوصة موقع في الذاكرة الجمعية المغربية . حيث برز الكثير من ادباء الفطرة , واغلبهم اميّون , يتلون القصص في حلقات السوق والساحات العامة . وتستقي هذه القصص منابعها من الملاحم التأريخية , وحكايات السلف والقصص الدينية , كما تستقي ذلك من ابداعات هؤلاء الرواة الذين يستقطبون المستمعين بفيض اخيلتهم الزاخرة با العطاء . وبقدرتهم المسرحية على تجسيد المواقف , باساليب فنية وقابليات لغوية . وقد ألهم هذا القص وطرائقه الفنان الصدّيقي للتألق بما يسمى مسرح الفرجة . ومن كتّاب القصة الذين بلغوا العالمية محمد المرابط وعبد السلام بلعيش , وذلك بفضل الأديب الأمريكي ( بول باولز ) المقيم في طنجة انذاك , والذي ترجم قصصهم وقدمها الى الغرب . ولا ادّعي بأن الأتجاهات الحديثة في القصة المغربية قد خرجت من عباءة القص العامي ولكنها تأثرت به . اضافةالى انها . كانت نتاجا للتلاقح بينها وبين الأدب الفرنسي الثري في عطائه والموغل في أصالته . حيث أن هيمنة الثقافة واللغة الفرنسية في المغرب , جعل المغاربة يستفيدون منها في بناء حركتهم الأدبية , في اطار محليتهم .
وقد تكون القصة القصيرة اكثر التصاقا بالقاريء .لأنها قوية التأثير فيه, وتكمن قوتها في الشحنات التي تكتنزها , حتى كأنها كاميرا تقوم بلقطات لتأطير المشهد , فهي تحرره من حالة الأستلاب والخضوع لما هو محضور من قيوداجتماعية او سياسية , مما يجعل الكاتب منفلتا من ضغط عناصر التحريم والمنع , منقذفا في مرمى الأبداع الذي يشترط المسؤولية والألمام بحرفة الكتابة .
تعكس هذه المجموعة تجربة فنية على صعيد الوعي الفكري لفنان ومثقف يحاول استشعار ما يحيط به من عوالم , بعضها يرتبط بالواقع بشكل وثيق وبعضها مُتخيل ينأى عن الواقع او يطفوا عليه وذلك تبعا للمضامين المختلفة التي ضمتها المجموعة . حيث انها تعتمد على احداث وقعت فعلا او بالأمكان وقوعها . فتتسرب الأحداث بشكل بسيط وسلس , محاولا من خلالها ان يبني جسرا من التفاهم مع المتلقي .
والقصة عند عبد القهار الحجاري مجال واسع للفكرة , دون الأهتمام باللغة . حيث تبرز الفكرة دون ان تتأطر بالزخارف الفنية كالوصف والتشبيه والأستعارة , فقد يعتقد ان ذلك يرهق النص . لذالك فقد حرر نفسه من ترف اللغة . ولم يكترث لوضع خلفية مناسبة لقصصه . فهو يقدم مضامينه بشكل حاد ومباشر دون مساحيق اللغة وجمالياتها , لذالك جاءت اغلب قصصه على هيئة ومضات سريعة ولقطات عابرة تعبّر عن دهشة الكاتب ازاء غرائبية المشهد الذي يحيط به . والذي يستدرجه من خلال هذه النصوص . ورغم انه لم يكترث للفضاء الزمني فجعله سائبا , بينما الأحداث تسبح فيه بشكل يتناقض احيانا مع المكان .
والمكان له ملامحه – القرية او المدينة او الشارع او المقهى – كل هذا المكان جاء حافلا بالحدث محتضنا ابطاله .تنساب قصص المجموعة بتلقائية وتتمخض عن عدة اسئلة , ربما تظهر الأجابة عنها في ثنايا المضمون . وفي احيان اخرى تبقى الأجابة سائبة . وفي اطار جولته هذه يعكس تجربة واعية لشريحة اجتماعية , يسكنها هاجس الأنفلات من المسلمات الكبرى والطابوهات التي يُمنع تداولها او حتى مناقشتها . كاالمعتقدات والأعراف العامة وحقائق الموت والحياة . انها اسئلة متأزمة وخانقة . لاتستطيع المجموعة هذه الأجابة عليها , فليس من مهمة النص ان يكون بهذه الكيفية , ولكنها تحفز الوعي لمناقشتها بمحاولة استفزاز الركود والقناعة . وفي قصة ( جاليلي ) يُطرح سؤال : ( هل الأرض كروية الشكل ؟ وهل تدور حقا ؟ ) وحينما تأتيه الأجابة بنعم , يُعلن معرفته مُسبقا ولكن ( اريد أن أتأكد ) . وفي هذه القصة يحاول الكاتب ان يرمي حجرا في ماء راكد , من اجل تحريكه فقط , تاركا الأجابات مبهمة وسائبة بمواجهة اسئلة شرسة .
وفي قصة اخرى يتناول حادثة خطف من قبل مجهولين , يتخللها استنطاق الضحية بشكل وحشي وتعذيبي ولكن المجهولين يريدون معرفة لون الضحية وعاطفتها . ورغم أن الخطف مُتـخيل ولكنه يشير الى عجز الأنسان ازاء القوة المحيطة به والتي تفرغه من انسانيته , وتريد التحكم في مقاساته , وتحاول ان تفرض عليه ما تشاء , مستغلة عجزه عن مواجهتها . وفي قصة ( افكار ) يطرح مضمونا مفاده أن ثمة برزخا ما بين الفكرة كنتاج انساني راق وبين صاحب الفكرة الذي ينبغي ان يتجرد من انانيته . ورغم ان الصياغة كانت رمزية , ولكنه لم يوفق في طرحها فنيا , فجاء النص هابطا وغير مقنع . على عكس قصته ( حمامة ) والتي تناول فيها معنى الموت والحياة لبشر مختلفين في كل شيء , ولا يجمعهم الاّ الأسم , والذي ينطبق على التأنيث والتذكير . وحينما يُعلن خبر موت حمامة , تسري التكهنات التي تنمّ عن موت كل من يحمل هذا الأسم , وكأن لعنة اصابت الجميع . ولكن اشاعة مضادة تنفي موت الجميع . وكأن الموت وهم , والحياة هي الحقيقة المتجذرة .
وفي قصة ( معتوه ) يدين الكاتب هذا العالم وعوامله المدمرة للفرد . المتجرد من كل قوّة , والأعزل في مواجهة غير متعادلة . حتى أنّ جنونه ماهو الا محاولة لإقتحام مصيره . والأحتجاج على الجنون غير المرئي للعالم (كائن هارب من الأضواء والأنواء واشباح الموت ) . وما هروبه سوى محاولة لحماية الوعي وعدم القدرة على التوازن . وقد استخدم الكاتب ادواته اللغوية من اجل شحن الموقف بدفقات عاطفية تجعل القاريء متعاطفا مع حالة الجنون ومبررا سلوكها غير السوّي .
وقد تناول في ( سيزيف ) معاناة المواطنين وهم يصارعون الفساد في الجهاز الأداري . وبفضح مظاهر الخلل والتحلل الذي ينخر مثل هذا الجهاز ,والذي لايأبه للمشقة التي تُثقل كاهل المواطن . هذا المواطن الذي يرفع صخرة الألم والبؤس والخيبة الى القمة , علّه يصل الى قمة الأمل , ولكن فداحة الألم تتجسد بسقوط الصخرة من جديد , ليستمر المواطن بمواصلة الألم . لقد ادان الكاتب مثل هذا التعسف , بعد أن شخّصه ورفضه . واعتقد انه لم يفتعل الحدث , وانما التقطه من واقع حيّ ومُعاش . وهنا تكمن مهمة الأديب في كونه يصبح عينا على الظواهر الشاذة والناشذة من اجال رفضها وتغييرها .
لقد برهن الكاتب عبد القهار الحجاري على التزامه الأدبي والأخلاقي لهموم الطبقات المعدمة في المجتمع , والتي تعيش حياة مشحونة بالهم اليومي . ينخرها الخوف من المجهول , وتفشي الخرافة . وقد ربط بين هذه الآفات الأجتماعية القائمة وبين اسبابها . وقد التقط ابطاله من القاع الأجتماعي , ومن رحم الحياة اليومية , ليؤسس منهم وبهم بهاء المستقبل القادم , والذي يتأسس على فكرة العدالة والمساوات . وفي غمرة الفكرة التي شغلت الكاتب , فانه لم يتجاوز الأطر الفنية . كما انه استخدم لغة قصصية سلسة وواقعية , ولم يتردد في استخدام اللهجة المحكية في محاولة للوصول الى القاريء بيسر وسهولة .
أوتاوة في 17 /02 /2011
Tags:
نقد أدبي